الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن مهلك السلطان أبي البقاء خالد واستيلاء السلطان أبي يحيى بن اللحياني على الحضرة: كان السلطان أبو البقاء خالد بعد بيعة السلطان أبي بكر بقسنطينة قد اضطربت أحواله وجهز إليه العساكر لمنازلة قسنطينة وعقد عليها لمولاه ظافر المعروف بالكبير فعسكر ببجاية وأراح ينتظر أمر السلطان وكان أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد ابن اللحياني ابن أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص قد بويع بطرابلس لما قفل من المشرق ورأى اضطراب الأحوال ووفد عليه هنالك الحاجب أبو عبد الرحمن بن عمر بهدية من السلطان أبي بكر وأنه يمده ويظاهره على شأنه فأحكم ذلك من عقدته وشد من أمره وتوافت إليه رجالات الكعوب أولاد أبي الليل ومعهم شيخ دولته أبو عبد الله محمد بن محمد المزدوري فأغذوا السير إلى الحضرة وبعث السلطان إلى مولاه ظافر بمكانه من باجة مستجيشا به فاعترضوه قبل وصوله وأوقعوا به واعتقلوا ظافرا وصبحوا تونس ثامن جمادي سنة إحدى عشرة وسبعمائة ووقفوا بساحتها فكانت هيعة بالبلد قتل فيها شيخ الدولة أبو زكريا الحفصي وغدا القاضي أبو اسحق بن عبد الرفيع على السلطان وكان متبوعا صارما قوي الشكيمة فأغراه بمدافعة العدو فخام عن لقائه واعتذر بالمرض وأشهد بالانخلاع عن الأمر وحل البيعة ودخل أبو عبد الله المزدوري القصر فاستمكن من اعتقاله.ثم جاء السلطان أبو يحيى زكريا بن اللحياني على أثره بلا تأخر رجب فبويع البيعة العامة بظاهرها ودخل إلى البلد واستولى عليها وولى على حجابته كاتبه أبا زكريا يحيى بن يعقوب وعلى الأشغال بالحضرة ابن عمه محمد بن يعقوب وبنو يعقوب هؤلاء أهل بيت بشاطبة من بيوت العلم والقضاء وقدموا إلى الحضرة مع الجالية وكان منهم أبو القاسم عبد الرحمن بن يعقوب وفد مع ابن الأمين صاحب طنجة كما قدمناه وتصرف في القضاء بأفريقية وولاه السلطان المستنصر قضاء الحضرة وسافر عنه إلى ملوك مصر وكان بنو علي هؤلاء عبد الواحد ويحيى ومحمد من أقاربه فكان لهم ظهور في دولة السلطان أبي حفص وبعدها وكان عبد الواحد منهم صاحب جباية الجريد وهلك بتوزر سنة اثنتين وسبعمائة وكان السلطان أبو يحيى بن اللحياني قد استكتب أخاه أبا زكريا يحيى أيام رياسته على الموحدين فحظي عنده واختصه ولازمه وحج معه فلما ولي الخلافة أحظاه وولاه حجابته ولما استقر بتونس استوثق له الأمر أعاد الحاجب أبا عبد الرحمن بن غمر إلى مرسلة السلطان ابن بكر بعد أن وثق معه العهد إلى أبي يحيى على المعاهدة وضمن له ابن غمر من ذلك مارضيه وتمسك بابن عمه على ابن غمر فأقام عنده مكرما متسع الجراية والإسهام إلى أن كان من الأمر ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم..الخبر عن قدوم ابن عمر على السلطان ببجاية ونكبة ابن ثابت وظافر الكبير: لما قدم ابن غمر على بجاية استبد بحجابته وكفالته كما كان وليوم وصوله فر عبد الله ابن هلال كاتبه ابن مخلوف ولحق بتلمسان وشمر ابن غمر عزائمه للإطلاع بأمره ودفع حسن بن إبراهيم بن ثابت عن الرتبة فلم يتزحزح يوما وخرج لجباية الوطن ثم أغرى به السلطان وحذره من استبداده بقسنطينة لمكان معقلة المجاور لها وسعايات تنضج بها حتى صادفت القبول لمكانه والوثوق بنصائحه.وخرج السلطان في العساكر من بجاية إلى قسنطينة سنة ثلاث عشرة وسبعمائة للنظر في أحوالها فلما انتهى إلى فرجيوه لقيه عبد الله بن ثابت فتقبض عليه وعلى أخيه حسن بن الحاجب سنة ثلاث عشرة وسبعمائة بعد أن استصفى أموالهما ويقال إنه بعد خروج حسن بن ثابت إلى عمل قسنطينة بعث في أثره بعض مواليه وأوعز معهم إلى عمل عبد الكريم بن منديل ورجالات سدويكش فقتلوه بوادي القطن وأن السلطان لم يباشر نكبته وكان ظافر الكبير بعد إنهزامه وحصوله في أسر العرب كما قدمناه انعموا عليه وأطلقوه ولحق بالسلطان أبي بكر فآثره واستخلصه كما كان لأخيه وولاه على قسنطينة عند نكبة ابن ثابت واستكتب أبا القاسم بن عبد العزيز لخلوه من الولايات فأقام ظافرا واليا بقسنطينة ثم استقدمه السلطان إلى بجاية وقد غص ابن غمر بمكانه فأغرى به السلطان فتقبض عليه وأشخصه في السعية إلى الأندلس والله أعلم..الخبر عن منازلة عساكر بني عبد الواد ببجاية وما كان في أثر ذلك من الأحداث: كان السلطان أبو يحيى بعد إنهزام جنده عن بجاية سنة عشر وسبعمائة بعث سعيد بن بشر بن يخلف عن مواليه إلى أبي حمو موسى بن عثمان بن يغمراسن وكان قد أتيح له في زناتة المغرب الأوسط ظفر واعتزاز فملك أمصارهم من أيدي بني مرين من بعد مهلك يوسف بن يعقوب على تلمسان ودوخ جهاته واستولى على أعمال مغراوة وتوجين وملك الجزائر واستنزل منها ابن علان الثائر بها وملك تدلس من يد ابن مخلوف فبعث إليه السلطان في المواصلة والمظافرة وأن تكون يدهما على ابن مخلوف واحدة فطمع لذلك موسى بن عثمان في ملك بجاية ثم بلغه مهلك ابن مخلوف فبعث إليه السلطان في المواصلة واستيلاء السلطان على ثغره فاستمر على المطالبة وادعى أن بجاية له في شرطه وقارن ذلك لحاق صنهاجة إليه عند مهلك صاحبهم فرغبوه في ملك بجاية وضمنوا له أمرها ثم قدم عثمان بن سباع بن يحيى مغاضبا للسلطان بما كان من إساءته عليه في ابن مخلوف وإخفار ذمته وعهده فيه واستقر عنده ابن أبي يحيى بعد منصرفه عن الحجابة ورجوعه من الحج فرغبوه في ذلك واسحثوه لطلب بجاية فسرح العساكر إليها لنظر محمد ابن عمه ويوسف بن يغمراسن ومسعود ابن عمه أبي عامر إبراهيم ومولاه مسامح وبعث معهما أبا القاسم ابن أبي يحيى الحاجب ففصلوا عنه بدار مقامه بشلف فأغذوا السير وهلك ابن أبي يحيى في طريقه بجبل الزاب ونازلوا البلد ثم جاوزوها إلى الجهات الشرقية فأثخنوا فيها ودخلوا جبل ابن ثابت واستولوا عليه واستباحوه سنة ثلاث عشرة وسبعمائة.ونالت منهم الحامية في المدافعة بالقتل والجراحات أعظم النيل وقفلوا راجعين فشيدوا حصنا بأصفون وشحنوه بالأقوات ولما وصل محمد بن يوسف ومسامح وبخهما وطوفهما ذنب القصور والعجز وعزلهما وبعث السلطان عسكرا في البر وأسطولا في البحر بعد رجوعه من قسنطينة سنة أربع عشرة وسبعمائة لهدم حصن بني عبد الواد بأصفون فخرب وانتهبت أقواته وعدده وسرح أبو حمو عسكرا آخر لحصار بجاية عقد عليه لمسعود ابن عمه ابن أبي عامر بن إبراهيم بن يغمراسن فنازلوها سنة خمس عشرة وسبعمائة واتصل بهم خروج محمد بن يوسف بن يغمراسن بني توجين معه على أبي حمو وأنهم أوقعوا به وهزموه واستولوا على معسكره فأجفل مسعود بن أبي عامر وعسكره وأفرجوا عن بجاية ووصل على أثرها خطاب محمد بن يوسف بالطاعة والانحياش فبعث السلطان إليه صنيعته محمد ابن الحاج فضل بالهدية والآلة ووعده بالمظاهر وتسويغ السهام التي كانت ليغمراسن بأفريقية وشغل ابن عبد الواد عن بجاية وخرج السلطان في عساكره للإشراف على وطنه إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
|